هل تشكل ألعاب الفيديو نوع من أنواع الأدب الروائي؟

الكثير منا يعتبر ألعاب الفيديو وسيلة للتسلية ،أو لإضاعة الوقت كمواقع التواصل الإجتماعي وغيرها من أساليب تسلية البشر الحديثة ،ولكن قد يغفل الكثيرون عن المعاني السامية والمبادئ التي تكرسها "بعض" ألعاب الفيديو ويكتف بملاحظة ما تقدمه من معتقدات خاطئة ولقطات غير لائقه ولا تتماشي مع ثقافاتنا العربية!
قد لا يوافقني البعض ولكن دائماً ما أشعر أن مجتمع الاعبين العربي أكثر ذكائاً من المجتمعات الغربية المماثلة وإن كنت تسأل عن السبب فإليك أحد هذه الأسباب وهو أننا نناقش مثل هذا الموضوع! دائماً ما ينتاب الشخصية العربية شعور بالذنب إذا فعل شيئاً لم يكن عليه فعله أو شيئاً يضيع وقته ويجعل منه إنساناً بلا عقل ،فأنا ككتير منكم حاولت أن أفكر في أبعاد هذه "الهواية" أو العالم الذي نعيش داخل أسواره جميعاً ونتقاسم الخبرات فيما بيننا وأن أحاول لمس أسباباً جعلتني لاعب في يوماً من الأيام!

حسناً ،في رأسي فكره لا أعرف كيف أوصلها ولكن دائماً ما تتطور الأشياء وتنتج من رحمها أشياء تكمل مسيرتها ويصبح الناس مهتمين بها أكثر. علي سبيل المثال ، كان البشر يستعملون الكيروسين لإضاءة بيوتهم ،ومن رحم هذه الفكرة تم إستغلال الكهرباء لصناعة لمبات تستخدم الكهرباء للعمل! هكذا هي الألعاب حسب ما أعتقد فهي تطور من الأفلام المرئية التي نتجت عن الخيال البشري الذي أبتكر الكتب الروائية وهي نوع الأدب الذي يخطر ببال أياً منا حين نذكر كلمة الأدب!

ومع محاولات البشر لتجسيد الروايات أو القصص ،فأبتكر المصممون القصص المصورة ومنها طمح الناس إلي رؤية أشياء كالتي تحدث في كتب المجلات المصورة ولكن بشكل مرئي! سعي الإنسان إلي تجسيد هذه القصص أخرج لنا الأفلام السينيمائية، ظهرت الأفلام وبدات بالتطور حتي يومنا هذا ،فأول كتاب مصور ظهر بتاريخ موثق كان Famous Funnies في عام 1933 في الولايات المتحده الأمريكية ،طموح البشر لم يتوقف علي الأفلام ،ولكن منذ 25 عاماً ظهرت ألعاب الفيديو وخلال عقد فقط أصبحت تحمل سيناريوهات وقصص وشخصيات تفوق عمق الأفلام في بعض الأحيان! تحمل خفايا كثيرة يعجز المرء عن التوقف في البحث فيها ،ها نحن الآن نشهد تطوراً رائعاً في تجسيد الشخصيات وابعاد السيناريوهات وعبقرية الحوارات بين شخصيات الألعاب ،بل وقد وصلنا إلي هدفاً كان حلماً للكثير من الأجيال التي سبقتنا وهي التفاعل مع أحداث "الفيلم" لا المشاهده فحسب!

ألعاب الفيديو تبرز بعض الأشياء التي قد لا تلاحظها بشكل مباشر ولكنها وبلا شك تجعلك تلاحظ هذه الأشياء في حياتك العمليه! أو تنقد ما فعلته شخصية ما في لعبتها ،لأنك لا تتفق معه في موقفه! في الفقرة القادمة سنستعرض بعض اللحظات التي مرت علينا في عالم الألعاب ولم نبدي إهتماماً كبيراً بما تحمله من معان

Ellie في The Last OF Us
تحمل لعبة The Last Of Us المزيج بين سينمائية أفضل  أفلام هوليود وأسلوب اللعب المترابط الرائع ،لعبة غير إعتيادية أحد أفضل الألعاب التي صدرت حتي الآن ولكنها تحمل في طيات اللقطات السينيمائية أفكار تجسدها ملامح أوجه الشخصيات ونبرات أصواتهم بكل براعة تاخذك داخل اللعبة بكل قوتها بلا مقاومة منك! كثرت المشاهد الإنسانية في اللعبة والتي تبقي الأمل فيك مستيقظاً رغم ما يسود أجواء اللعبة من اليأس والضياع في عالم اللعبة الذي تفشي فيه المرض!

تعتبر لعبة The Last Of Us غنية بالمشاهد الإنسانية والمشاعر النبيلة التي تسوقك وتدفعك لإكمال اللعبة لكي تعرف كيف سينتهي الحال بأبطال اللعبة ،تماماً كاي فيلم درامي ناجح. علي أية حال Ellie التي تدور أحداث اللعبة حولها تملك من روح الدعابة ما يكفيها لتبقي علي قيد الحياة ،ولكن لاشك بوجود شيئاً ملموساً في حديثها مع "Joel" دائماً ما تتحدث معه عن الحياة ما قبل الوباء ،وما كان يفعله البشر بالأخص الفتيات وأنها ليست علي شاكلتهم أبداً ،وفي أحد المواقف دخلا جول وأيلي إلي أحد المتاجر للإختباء فرأت Ellie أحد ماكينات ألعاب الأركيد القديمة فسألت جول متعجبه عن هذا الشئ فأخذ يشرح لها فأعجبها الأمر! لازالت فطرة الطفولة لديها ولكن ساقتها الظروف إلي حمل السلاح بحثاً عن الحياة.هذه الأحاديث دفعتني لأن أظن أن من صاغها كان يريد القول بأن الحياة لا
تتوقف بأي حال من الأحوال فإن كان الإنسان يتنفس فبإمكانه البدئ في حياة جديدة.

Bruce Wayne في Batman Arkham Origins
دور "Bruce Wayne" يعتبر في الحقيقة وبلا شك ما يزن اللعبة درامياً وعلي المستوي القصصي فرغم عدم تقديم اللعبة أي نوع من أنواع القصص "الجديدة" فهي كأي قصة باتمان تقرأها في عدد من أعداد "DC Comics" ولكن ما قلب الموازين بالنسبة إلي هو تسليط الضوء علي بداية البطل الخارق باتمان ،لطالما تسآلت كيف تحولت شخصية باتمان من طفل غني يملك شركة من أكبر شركات الولايات المتحده إلي البطل الخارق الذي يفوز علي أعدائه تحت أقصي الظروف !
قصة لعبة Arkham Origins رغم وأنها لقت الكثير من الإنتقادات إلا أنها طرحت أجوبة علي هذه الأسئلة لأول مره يتم تناولها في عالم الألعاب

في أحد لحظات اللعبة ،يحاول ألفريد التحدث مع بروس عند عودته إلي مقره والإشارة إلي أنه ليس مجبراً علي مواجه كل هؤلاء الأشرار في ليلة واحدة التي كان من المفترض أن تكون عيدا أو إحتفالا بعيد الميلاد ،إلا أن رد بروس جاء في صورة طائشة حيث أثار ألفريد غضبه ،لأنه لا يريده أن يخوض هذا الطريق وهو طريق كونه حام المدينة!

علي الصعيد الآخر عندما جري حديث بين "BarbraGordon" و"Batman" ذكر باتمان سبب إجتهاده وسهره لحماية جوثام وهو أن ينمع ما حدث له من الحدوث لأي شخص آخر وأن الجريمة يجب أن يوضع لها حد.

باتمان أركهام أوريجنز تقدم تجربة قصصية قوية رغم بعض الشوائب ،لا جديد علي صعيد الإبتكار ولكن اللعبة مثقله بالكثير من اللحظات السينيمائية الرائعة!

Connor Kenway في Assassin's Creed III
لم تحز شخصية كونور كينواي علي إعجاب الكثيرين ،ولكن بعكس ما تدور أحاديث الاعبين عن انه شخصية عادية وما انتشر عنه من تعليقات اللاعبين عليه ،كان المطور حريصاً علي إظهار كونور بمظهر الشخصية المحبه للقوانين ،التي تقدس حرية الآخرين..حرية الأمريكين كانت السبب الوحيد لإنضمام كونور للثورة الأمريكية والوقوف بصف جورج واشنطن. في أحد مواقف اللعبة كان كونور ووالده Haitham Kenway يبحثان عن شخص يدعي "Benjamin Church" والذي كان مطلوباً من قبل التمبلرز وال"Patriots" أي  جيش المقاومة الأمريكية ، فأضطر كونور للتعاون مع والده رغم إختلافهم الجزري في أهدافهم وفي أحد المواقف سأل كونور عن ما يريده التمبلرز فأجاب هيثم أنهم يريدون أن يحكم العالم حكومة واحدة ،لا نزاعات ولا خلافات العالم كله يعمل لمصلحته والكل سواسية!
ولكن الوصول لهذا الهدف يتطلب السيطرة علي عقول البشر أو السيطرة علي أجسادهم! بمعني إحتلال أراضيهم ،رفض هذا المبدأ لأن من حق البشر الإختيار وقال إختار المواطنون وحتي وإن كان إختيارهم خاطئ فهو "واشنطن"!

بعض الألعاب أيضاً تتناول وجهات النظر حول الشخصيات مثال جورج وشنطن الذي ظهر في لعبة أسيسنز كريد علي شاكله القادة العظماء ،والتمبلرز الذي ظهروا علي شاكله الأعداء الذي يريدون السيطرة علي العالم قاتلين من في طريقهم أياً من يكون ،وفي لعبة Dragon Age هم محاربي التانين الشجعان ،والبطل هو واحد منهم ،كذلك كانت تفعل الكتب! ولكن تختلف الفكره العامة بالطبع وإن تم التركيز علي هذه النقطة فإن الفترة القادمة في تاريخ الألعاب ستشهد تقدماً مبهراً.
ما أقصده من كل هذه الأمثلة هو مجرد تجسيد لأحداث رأيتها في الألعاب ولكن لم تعي ثقلها ،فالأدب الرواءي والشعري والغنائي هم أصول الفنون جميعاً ولكن لابد وأن تبرز أنواع جديدة من الفنون التي تحمل رسائل ذات قدر مع تقدم أساليب التسلية التي تستحوذ علي حب الكثيرين ،علي الصعيد الآخر قد لا تحمل "الكثير" من الألعاب مغزيً وراء قصصها بل وقد تبث أفكاراً غير صحيحة كالألعاب مثال "Splinter Cell Blacklist" و "Medal Of Honor Warfighter" وهو تصوير العرب بصور غير لائقه ،وإنما ما قصدته هو وإن أراد المطور خلق لعبة تعتبر فلماً تفاعلياً ذو قصة هادفة بشكل أو بآخر!